اسم الله الباري
اسم الله الباري
---
اسم الله الباري.. الخالق بإتقان وتقدير
المقدمة
إن من أعظم ما يتقرب به المؤمن إلى ربه سبحانه هو تدبر أسمائه الحسنى وصفاته العلى، فهي مفاتيح المعرفة الإلهية التي تنقل القلب من الحيرة إلى اليقين، ومن القلق إلى الطمأنينة. ومن هذه الأسماء الجليلة اسم الله "الباري"، الذي يدل على بديع الصنع، ودقة التقدير، وتفرد الخلق. اسمٌ يختصر الحكمة في الخلق، والرحمة في الإيجاد، والاتقان في التصميم.
في هذا المقال، نتناول اسم الله "الباري" بالشرح والتفصيل، نكشف معناه اللغوي والشرعي، ونتأمل وروده في القرآن والسنة، ثم نتلمس فضل الدعاء به، وأثر معرفته في حياة المسلم.
---
أولًا: معنى اسم الله "الباري"
المعنى اللغوي
اسم "الباري" مأخوذ من الفعل "برأ"، يقال: "برأ الله الخلق" أي أوجدهم وأخرجهم من العدم على غير مثال سابق. و"برأ" تختلف عن "خلق"، فالخلق يشير إلى الإيجاد العام، أما البرء فيرتبط بالإبداع المتقن، والانفصال من العدم إلى الوجود بصورة تناسب نوع المخلوق، وتراعي تمايزه عن غيره.
ويقال في اللغة أيضًا: "برأ الله الإنسان" أي صوّره وسوّاه وعدّله، ومنه جاء قوله تعالى:
"هو الله الخالق البارئ المصور" [الحشر: 24].
المعنى الشرعي
"الباري" في معناه الشرعي هو: الذي خلق الخلق على غير مثال سابق، وبرأهم من العدم بقدرته وحكمته، وميز كل مخلوق عن غيره بما يليق به من هيئة وتكوين ووظيفة. فهو الذي برأ كل شيء وأعطاه صفته ووظيفته وملاءمته لبيئته، حتى لا يكون الخلق اعتباطيًا، بل متقنًا محسوبًا.
---
ثانيًا: شرح اسم الله "الباري"
اسم "الباري" يأتي بعد اسم "الخالق" في الترتيب أحيانًا، ليظهر تدرج مراحل الخلق، فالخلق هو التقدير والإرادة، والبرء هو الإيجاد والتنفيذ، ثم التصوير هو إعطاء الصورة والشكل.
فالله أولًا قدّر الخلق بعلمه، ثم أوجده بقدرته، ثم صوّره بإرادته.
والبرء هنا يشير إلى لحظة الفعل الإبداعي في الخلق، اللحظة التي يتحول فيها العلم الإلهي إلى وجود محسوس، والأمر الرباني إلى كائن حي.
ولذا فإن اسم الله "الباري" يرتبط بفكرة التفرد في الخلق، والتنوع في الكائنات، والانضباط في السنن الكونية. فكل ما في الكون من طير وحيوان وإنسان ونبات وماء وتراب، إنما خرج إلى الوجود ببراءة الله وإبداعه.
---
ثالثًا: ورود اسم الله "الباري" في القرآن والسنة
في القرآن الكريم
ورد اسم الله "الباري" مرة واحدة في القرآن الكريم، في قوله تعالى:
"هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى" [الحشر: 24].
وقد جاء مقرونًا باسمين عظيمين: "الخالق" و"المصور"، ليكتمل بذلك معنى الخلق الكامل: من التقدير، إلى الإيجاد، إلى الشكل.
في السنة النبوية
ورد اسم الله "الباري" ضمن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم:
"اللهم أنت البارئ، لا إله إلا أنت".
كما أن النبي كان يعلم الناس أن يدعوا الله بأسمائه الحسنى، وكان يقول في الدعاء:
"أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو علمته أحدًا من خلقك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك..." [حديث صحيح].
---
رابعًا: فضل الدعاء باسم الله "الباري"
إن الدعاء باسم الله "الباري" يحمل في طياته الاعتراف بأن الله هو المتقن لكل شيء، المقدر لكل أمر، المبدع في كل خلق، وهذا يفتح أبوابًا واسعة من الرجاء والتوكل واليقين.
1. الثقة بحكمة الله في الخلق
حين تدعين الله بـ"يا باري"، فأنت تعترفين أنه الذي خلقك في أحسن تقويم، وقدّر لك خصائصك وأدوارك، وأنتِ جزء من نظام إلهي دقيق. هذا يولد الراحة في القلب والقبول بالذات.
2. الدعاء بالشفاء والتصحيح
اسم "الباري" له صلة وثيقة بالشفاء، فالبرء في اللغة يأتي أيضًا بمعنى الشفاء، ومنه قوله تعالى:
"ويبرئ الأكمه والأبرص".
فإذا دعوت الله بـ"يا باري"، فلك أن ترجين الشفاء، سواء من مرض جسدي أو نفسي، فهو القادر على إصلاح ما اختل في الجسم والنفس.
3. الدعاء بإيجاد الخير من العدم
كما برأ الله الخلق من لا شيء، فإن المؤمن يرجوه أن يبرئ له فرجًا من ضيق، وحلًا من أزمة، ونجاحًا من تعثر، فهو سبحانه الباري الذي يوجد الأسباب من حيث لا نحتسب.
---
خامسًا: أهمية اسم الله "الباري" في الإسلام
1. تعميق الإيمان بتفرد الله في الخلق
اسم الله "الباري" يرسّخ التوحيد، فهو وحده القادر على خلق هذا التنوع المذهل في الكائنات، دون أن يكون له شريك أو معين. ومن تدبر في خلق الإنسان والحيوان والنبات علم أن هذا لا يكون إلا من خالق باري.
2. غرس قيمة التقدير والتصميم في حياة المسلم
الإيمان باسم "الباري" يعلم المسلم أن الله لم يخلق شيئًا عبثًا، وأن كل خلق له هدف ووظيفة. وهذا يدفع المسلم إلى البحث عن حكم وجوده، والسعي لتحقيق دوره في الحياة بما يرضي الله.
3. تصحيح نظرة الإنسان إلى جسده ونفسه
كثير من الناس يسخطون على أنفسهم بسبب شكلهم أو ظروفهم أو طباعهم، لكن اسم "الباري" يدعونا إلى التسليم بأن الله هو الذي برأنا، وهو أعلم بنا، وأن جمال الخلق ليس فقط في الظاهر، بل في الحكمة الكامنة وراء كل خلق.
4. تهذيب النفس وإبعاد الكبر
حين يعلم الإنسان أن الله هو الباري، وأنه من صنعه وتقديره، فإن هذا يزرع التواضع في قلبه، فلا يغتر بجماله أو قوته أو علمه، لأنها ليست منه، بل من خالقه الباري.
5. تحفيز المسلم على الإتقان
من آثار الإيمان باسم "الباري" أن يسعى العبد في تقليد صفة البرء –في حدود القدرة البشرية– بأن يتقن عمله، ويبتكر، ويبدع، لأن الله يحب المحسنين والمتقنين.
---
سادسًا: وقفات تأملية باسم الله الباري
1. في خلق الإنسان: هل تأملتِ كيف خُلقت العظام ثم كُسيت لحمًا؟ كيف توضع العين في مكانها، واللسان في موضعه، والأسنان والدماغ؟ من فعل هذا سوى "الباري"؟
2. في تنوع الكائنات: ملايين الأنواع، كل منها له وظيفة وشكل ومكان، لا تكرار، ولا فوضى.. بل نظام دقيق يعجز عنه أعظم العلماء.
3. في التوازن الكوني: لو زادت حرارة الأرض درجة واحدة، أو انحرفت الأرض قليلًا عن مسارها، لاختلت الحياة. من أقام هذا الميزان؟ إنه "الباري".
---
الخاتمة
اسم الله "الباري" من الأسماء التي تقود العقل للتفكر، والقلب للخشوع، والنفس للتسليم. هو الاسم الذي يذكرنا أن وجودنا لم يكن عبثًا، وأن الله خلقنا بحكمة وإتقان.
فتأملي أيتها المؤمنة هذا الاسم العظيم، وادعي الله به، وادخلي في رحاب العبودية القريبة، فالباري هو الذي أخرجك إلى الدنيا، وهو القادر أن يخرجك من همك، ويبرئ قلبك، ويصوّب خطاك إلى ما يحب ويرضى.
يا باري.. أصلح ما فسد فينا، وابرئ أرواحنا من الحيرة، واهدنا إلى سواء الصراط.
---