اسم الله المؤخر
اسم الله المؤخر
اسم الله "المؤخر": معناه، شرحه، وروده في القرآن والسنة، وفضل الدعاء به وأهميته في الإسلام
المقدمة
يُعد اسم الله تعالى "المؤخر" من الأسماء الحسنى التي تُظهر سعة قدرته وحكمته في تدبير خلقه، فهو الذي يؤخر الأشياء عن وقتها لحكمة يعلمها، وقد يجعل التأخير رحمةً أو ابتلاءً أو تمحيصًا. وهذا الاسم يبعث في قلب المؤمن الطمأنينة، لأنه يعلم أن كل شيء بقدر الله، وأن التأخير قد يكون خيرًا وإن ظهر عكسه. في هذا المقال، سنتناول معنى الاسم، شرحه، أدلته من القرآن والسنة، فضل الدعاء به، وأهميته في حياة المسلم.
المبحث الأول: معنى اسم الله "المؤخر" وشرحه
1. المعنى اللغوي
كلمة "المؤخر" في اللغة مشتقة من الفعل "أخَّرَ"، وهو عكس "قدَّم"، أي جعل الشيء يتأخر عن مكانه أو زمانه. فالتأخير يعني التراخي في الوقت أو الترتيب أو المنزلة.
2. المعنى الاصطلاحي (في حق الله تعالى)
اسم الله "المؤخر" يعني أنه سبحانه يُقدِّم ما يشاء ويؤخر ما يشاء بحكمته، فلا يُعجِّل أمرًا إلا لحكمة، ولا يؤخره إلا لحكمة. وهو الذي يؤخر العقاب عن العصاة لعلهم يتوبون، ويؤخر الفرج عن المؤمنين ليمتحن صبرهم، ويؤخر أجل الإنسان حتى يستوفي رزقه وعمله.
والتأخير هنا ليس عجزًا أو إهمالًا، بل هو تدبير إلهي محكم، كما قال تعالى:
{وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ} (يونس: 11).
فالله يؤخر العقوبة رحمةً لعل العاصي يرجع، ويؤخر النجاح والفرج ليختبر صبر العبد، ويؤخر الموت ليكتب للمرء حسنات أكثر.
المبحث الثاني: ورود اسم الله "المؤخر" في القرآن والسنة
1. في القرآن الكريم
لم يرد اسم "المؤخر" صراحةً في القرآن، لكن ورد معناه في آيات كثيرة، منها:
{وَاللَّهُ يُقَدِّمُ مَا يَشَاءُ وَيُؤَخِّرُ} (النور: 63).
{قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ} (الحجر: 36-37)، حيث أخّر الله عذاب إبليس إلى يوم القيامة.
{وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ} (فاطر: 45)، فالله يؤخر العقوبة رحمةً.
2. في السنة النبوية
ورد اسم "المؤخر" في حديث أبي داود والترمذي أن النبي ﷺ كان يقول في دعاء القنوت:
"اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك، أنت المقدم وأنت المؤخر...".
فهو اسم ثابت بالدليل الصحيح، ويُقرن غالبًا باسم "المقدم" لأن الله يقدم ما يشاء ويؤخر ما يشاء.
المبحث الثالث: فضل الدعاء باسم الله "المؤخر"
1. استشعار حكمة الله في التأخير
عندما يدعو المسلم ربه باسم "المؤخر"، فإنه يتذكر أن التأخير خيرٌ له، فقد يؤخر الله عنه الرزق ليزيده حسنات، أو يؤخر النصر ليمتحن إيمانه، كما حدث مع النبي ﷺ وأصحابه في الغزوات.
2. الدعاء به في الشدائد
من الأدعية النافعة:
"اللهم يا مؤخر كل شيء عن وقته، لا تؤخر فرجي عن وقته، ولا تعجل عليّ بما لا أحتمل".
3. الرضا بقضاء الله
التأخير قد يكون اختبارًا للصبر، كما قال تعالى:
{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} (البقرة: 155).
فالدعاء بهذا الاسم يعلمنا الرضا بأن كل شيء بقدر.
المبحث الرابع: أهمية اسم الله "المؤخر" في حياة المسلم
1. الثقة بحكمة الله
المؤمن يعلم أن التأخير ليس نسيانًا، بل هو حكمة إلهية، كما في قصة موسى والخضر، حيث تأخر الخضر في تفسير أفعاله لحكمة لم يعرفها موسى في البداية.
2. الصبر على البلاء
التأخير قد يكون تمحيصًا للمؤمنين، كما أخّر الله النصر عن المسلمين في غزوة الأحزاب ليمتحن صبرهم.
3. عدم اليأس من رحمة الله
حين يؤخر الله الاستجابة، فهو يختبر إيمان العبد، كما قال ﷺ:
"يُستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوتُ فلم يُستجب لي" (متفق عليه).
4. تعلم التوكل على الله
المؤمن يتوكل على الله حتى في التأخير، لأنه يعلم أن الله يؤخر ليعطي الأفضل.
الخاتمة
اسم الله "المؤخر" يُعلّمنا أن الحكمة الإلهية قد تخفى علينا، لكننا نثق بأن الله يُقدّم ويؤخر لمصلحتنا. فإذا أُخِّر عنك رزقٌ أو فرجٌ، فاعلم أن الله يعدك خيرًا، وتذكّر قوله تعالى:
{فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} (الشرح: 5-6).
فاللهم يا مقدم ويا مؤخر، قدّم لنا ما فيه الخير، وأخّر عنا ما فيه الشر، واجعلنا من الصابرين الشاكرين.