فوضى الحواس\أحلام مستغانمي
فوضى الحواس
مراجعة لرواية "فوضى الحواس" لأحلام مستغانمي
مقدمة
"فوضى الحواس" هي الرواية الثانية في ثلاثية أحلام مستغانمي بعد "ذاكرة الجسد"، وهي تكملة لمسيرة السرد العاطفي والسياسي الذي بدأته الكاتبة، حيث تستمر في استكشاف العلاقة بين الحب والواقع والخيال. تتألق الرواية بأسلوبها الفريد الذي يمزج بين السرد الأدبي العاطفي والتأملات السياسية والاجتماعية، مما يجعلها تجربة أدبية غنية ومشحونة بالعواطف.
أولًا: السرد في "فوضى الحواس"
أسلوب السرد في الرواية هو أحد أهم عناصر تميزها، إذ تلجأ مستغانمي إلى السرد الذاتي بضمير المتكلم، ما يضفي طابعًا حميميًا على النص. تضع القارئ في عقل البطلة، مما يجعله يعيش معها حالاتها العاطفية والنفسية المتقلبة.
1. تقنية السرد المتداخل
الرواية تعتمد على تقنية السرد المتداخل بين الواقع والخيال، حيث تبدأ الكاتبة بسرد قصة شخصيتها الرئيسية، ثم تجد البطلة نفسها متورطة في قصة تشبه تلك التي تكتبها، مما يخلق إحساسًا بالضياع بين الحقيقة والوهم. هذا التداخل يجعل الرواية ذات طابع تجريبي، حيث يصبح من الصعب التمييز بين ما هو حقيقي وما هو متخيل.
2. السرد التأملي والعاطفي
تتسم الرواية بتأملات عميقة في الحب، السياسة، والوضع الاجتماعي في الجزائر. أسلوب الكاتبة مليء بالصور البلاغية واللغة الشعرية، مما يجعل السرد أقرب إلى كتابة تأملية وجدانية.
3. التكرار والتداخل الزمني
تستخدم مستغانمي أسلوب التكرار لإبراز العواطف العميقة للشخصية، كما أن هناك تداخلًا في الأزمنة، حيث تنتقل الكاتبة بين الماضي والحاضر دون فواصل واضحة، مما يعكس حالة الفوضى التي تعيشها البطلة.
ثانيًا: الحبكة
الحبكة في "فوضى الحواس" غير تقليدية، فهي ليست مبنية على تسلسل زمني صارم، بل تعتمد على تيار الوعي وتنقلات ذهنية بين الماضي والحاضر. تدور القصة حول علاقة البطلة مع رجل غامض يشبه بطل الرواية التي تكتبها، مما يخلق نوعًا من الفوضى الذهنية والعاطفية.
1. البداية
تبدأ الرواية برغبة البطلة في الهروب من واقعها الزوجي البارد، فتلجأ إلى الكتابة كوسيلة للهروب من الرتابة. لكنها تجد نفسها في علاقة غامضة مع رجل يلتقي بها بالصدفة، لتبدأ قصة حب غير واضحة المعالم.
2. التصاعد الدرامي
يتصاعد التوتر العاطفي مع تعمق العلاقة بين البطلة والرجل الغامض، في حين تظل الأحداث السياسية في الجزائر في الخلفية، مما يضيف بعدًا سياسيًا واجتماعيًا للقصة.
3. الذروة
تصل الرواية إلى ذروتها عندما تكتشف البطلة أن القصة التي كانت تكتبها قد تحولت إلى واقع، مما يزيد من ارتباكها العاطفي والفكري.
4. النهاية
لا تقدم مستغانمي نهاية تقليدية واضحة، بل تترك الأحداث مفتوحة، ما يعزز شعور الفوضى الذي يسيطر على الرواية بأكملها

ثالثًا: الشخصيات
1. البطلة (الراوية)
كاتبة جزائرية تعيش حياة زوجية باهتة، تعاني من الشعور بالفراغ وتبحث عن تجربة حب تُشعرها بالحياة.
شخصيتها معقدة، تعيش بين الحلم والواقع، وتتنقل بين العاطفة والعقل، مما يجعلها شخصية غير مستقرة نفسيًا.
2. الرجل الغامض
شخصية ذكورية جذابة لكنها غامضة، وهو تجسيد لرغبات البطلة أكثر من كونه شخصية مستقلة.
يظهر وكأنه من نسج خيالها، مما يضع القارئ أمام تساؤلات حول حقيقته.
3. الزوج
شخصية رمزية تمثل الجمود والرتابة، وهو عكس الرجل الغامض الذي يمثل الإثارة والعاطفة.
4. الجزائر (الوطن)
الجزائر نفسها تظهر كشخصية في الرواية، حيث تتقاطع أحداثها العاطفية مع الواقع السياسي والاجتماعي للبلاد.
رابعًا: نقاط القوة
1. الأسلوب الأدبي الساحر
مستغانمي تملك قدرة لغوية فريدة، حيث تمزج بين السرد النثري والشعري، مما يجعل النص غنيًا بالمجازات والتشبيهات.
2. التقنيات السردية المبتكرة
استخدام التداخل بين الواقع والخيال يمنح الرواية عمقًا فلسفيًا ونفسيًا.
3. البعد السياسي والاجتماعي
تعكس الرواية أوضاع الجزائر خلال فترة ما بعد الاستعمار، مما يمنحها قيمة أدبية وتاريخية.
4. التشويق العاطفي
الحبكة العاطفية رغم فوضويتها مشوقة، حيث يعيش القارئ مع البطلة حالاتها المختلفة.

خامسًا: نقاط الضعف
1. الإطالة والتكرار
بعض المقاطع تعاني من تكرار للأفكار والعبارات، مما قد يبطئ إيقاع الرواية.
2. عدم وضوح الحبكة
غموض الأحداث وعدم وجود تسلسل زمني واضح قد يربك القارئ.
3. النهاية المفتوحة
بعض القراء قد يجدون أن النهاية المفتوحة غير مرضية، خاصة لمن يفضلون النهايات الحاسمة.
الخاتمة
"فوضى الحواس" ليست مجرد قصة حب، بل هي تجربة أدبية تستكشف العلاقة بين الخيال والواقع، وبين الحب والسياسة. بأسلوبها الساحر، استطاعت مستغانمي أن تقدم عملًا يحمل بُعدًا نفسيًا وفلسفيًا عميقًا. ورغم بعض العيوب، تبقى الرواية واحدة من الأعمال الأدبية العربية التي تستحق القراءة بتمعن، لما تحمله من مشاعر متناقضة وفكر أدبي متميز.